مقدمة: فهم علاقة الله بالزمن
أحد الأسئلة الأكثر إثارة للاهتمام في كل من اللاهوت والفلسفة هو كيفية تفاعل الله مع الزمن. هل الله خالد أم أنه موجود في الزمن؟ إذا كان الله خالدًا، فكيف يتعامل مع العالم الزمني؟ إنها أسئلة معقدة شغلت عقول العلماء والمؤمنين على حد سواء. في هذه المقالة، سوف نستكشف الآثار اللاهوتية والفلسفية لعلاقة الله بالزمن، مستعينين برؤى الفيلسوف **وليام لين كريج**.
الخلود مقابل الزمانية: وجهتا نظر حول الله والوقت
عندما نفكر في الوقت، فإننا ننظر إليه بشكل عام على أنه سلسلة من الأحداث – الماضي والحاضر والمستقبل. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالله، هناك وجهتا نظر مختلفتان حول كيفية ارتباطه بالزمن. تشير إحدى وجهات النظر إلى أن الله **خالد**، وموجود خارج الزمن تمامًا. في هذا السيناريو، ليس لله ماض أو حاضر أو مستقبل؛ وبدلاً من ذلك، فهو يدرك الحقيقة بأكملها في لحظة أبدية واحدة.
أما الرأي الآخر فيرى أن الله **زمني**، أي أنه موجود في الزمن ويختبر الأحداث في تسلسل، تمامًا كما نفعل نحن. ووفقاً لهذا الرأي، فإن الله منخرط في تدفق الزمن، ويستجيب للأحداث عند وقوعها. يشكل الاختيار بين هذين المنظورين أساس الكثير من الجدل الدائر حول علاقة الله بالزمن.
تحدي الإله الخالد
تثير فكرة **الإله الخالد** العديد من الأسئلة الفلسفية. على سبيل المثال، كيف يمكن لإله موجود خارج الزمن أن يتفاعل مع عالم يعمل داخله؟ ويصبح هذا السؤال أكثر تعقيدًا عندما ننظر إلى الاعتقاد المسيحي بأن الله تجسد في شخص **يسوع الناصري**. إذا كان الله خالدًا، فكيف يمكنه أن يدخل التاريخ ويختبر الزمن كإنسان؟
وكما يشرح **كريج**، فإن أحد التحديات الرئيسية لهذه الرؤية هو التوفيق بين خلود الله و**شخصيته**. هل يمكننا أن نصف بشكل هادف كائنًا خالدًا بأنه “شخص”؟ في تجربتنا، تتضمن الشخصية أفكارًا وقرارات وأفعالًا، وكلها تحدث في الوقت المناسب. إذا كان الله خالدًا، فهل لا يزال لديه علاقة شخصية وديناميكية مع العالم؟
قضية أخرى مهمة هي مسألة ما إذا كان الوقت يؤثر على حياة الله. هل لله تاريخ أم مستقبل؟ بالنسبة للإله الخالد، سيتجمد كل شيء في لحظة أبدية واحدة، دون تقدم أو تغيير. وهذا يثير مخاوف بشأن ما إذا كان الله يستطيع حقًا التعامل مع العالم بطريقة ذات معنى إذا لم يكن خاضعًا لتدفق الزمن.
نظرية الزمن المتوتر
إن مسألة ما إذا كان الله خالدًا أو زمنيًا قد تعتمد على كيفية فهمنا لطبيعة الزمن نفسه. لقد حدد الفلاسفة نظريتين رئيسيتين للزمن: **نظرية التوتر** و **نظرية عدم التوتر**.
تنظر **النظرية المتوترة** للزمن إلى الماضي والحاضر والمستقبل باعتبارهما مختلفين وحقيقيين. ووفقاً لهذا الرأي، فإن الماضي قد انتهى، والمستقبل لم يحدث بعد، واللحظة الحالية فقط هي الحقيقية. تشير هذه النظرة الديناميكية للزمن إلى أن الزمن يتحرك دائمًا للأمام، وأن الأحداث تظهر إلى الوجود ثم تزول.
وعلى النقيض من ذلك، فإن **نظرية الزمن غير المتوترة** ترى أن جميع اللحظات – الماضي والحاضر والمستقبل – حقيقية بنفس القدر. الزمن، من وجهة النظر هذه، يشبه كتلة رباعية الأبعاد، حيث توجد كل لحظة في وقت واحد. إننا نشعر بأن الوقت يتحرك للأمام، لكن هذا مجرد وهم. في هذه النظرة الثابتة للزمن، سيكون الله موجودًا خارج الزمن، معتبرًا كل الأحداث جزءًا من واقع واحد لا يتغير.
تأثير الزمن على أزلية الله
إذا تبنينا **نظرية الزمن غير المحدود**، فإنها تدعم فكرة **الإله الخالد**. من هذا المنظور، يرى الله كامل **كتلة الزمان والمكان** — الماضي والحاضر والمستقبل — باعتبارها كلًا واحدًا كاملاً. فهو لا يرى الأحداث بشكل متتابع، بل يرى كل شيء دفعة واحدة. وهذا يسمح لله أن يكون لديه معرفة بالمستقبل، حيث أن جميع الأحداث حقيقية بالنسبة له بنفس القدر.
ومع ذلك، كما يشير كريج، فإن هذه النظرة الثابتة للزمن تثير العديد من المشكلات الفلسفية واللاهوتية. إذا لم يكن لله ماض أو حاضر أو مستقبل، فهل هذا يعني أنه ليس لديه حياة داخلية أو وعي؟ سيكون للإله الخالد حالة وعي واحدة غير متغيرة، بدون تسلسل للأفكار أو التجارب. وهذا يخلق صورة **مجمدة** لله، حيث كل شيء ثابت وثابت، ولا شيء يتغير أبدًا.
بالنسبة للكثيرين، هذا الرأي غير مرضٍ لأنه لا يسمح بفكرة **العلاقة الديناميكية** بين الله والعالم. إذا كان الله موجودًا خارج الزمن ولا يختبر الأحداث أثناء حدوثها، فكيف يمكنه الاستجابة للصلوات، أو إرشاد الأفراد، أو التصرف في التاريخ؟
الزمنية وتفاعل الله مع العالم
في المقابل، تشير **النظرية المتوترة** للزمن إلى أن الله موجود في الزمن ويختبر الأحداث أثناء حدوثها. يسمح هذا الرأي لعلاقة أكثر تفاعلية بين الله والعالم. إن الله يأتي بالأشياء إلى الوجود باستمرار، ويدعمها، ويستجيب للأحداث عند حدوثها. على سبيل المثال، عندما شق الله **البحر الأحمر** أو قاد **بني إسرائيل** إلى أرض الموعد، فقد فعل ذلك في لحظة محددة من التاريخ، مدركًا لتسلسل الأحداث.
**الإله الزمني** يعرف الأشياء أثناء حدوثها، وستتغير معرفته مع حدوث أحداث جديدة. وهذا يسمح لله بالمشاركة بنشاط في العالم، وتوجيه البشرية والتفاعل معها في الوقت الفعلي. بالنسبة للعديد من المؤمنين، يقدم هذا الرأي فهمًا أكثر ارتباطًا وديناميكية لعلاقة الله بالخليقة.
هل يدل الزمن على النقص في الله؟
أحد الاعتراضات على فكرة **الإله الزمني** هو القلق من أن التغيير يعني النقص. إذا كان الله موجودًا في الزمن وتتغير التجارب، فهل هذا يعني أنه يتحسن بمرور الوقت؟ يقول **كريج** أن هذا ليس هو الحال بالضرورة. يمكن لله أن يختبر التغيير في معرفته أو أفعاله دون أن يشير ذلك إلى النقص. على سبيل المثال، قد يعلم الله أن الساعة الثالثة بعد الظهر. في لحظة واحدة و 3:01 مساءً. التالي. هذا التغيير في المعرفة لا يجعل الله أكثر كمالا؛ إنه ببساطة يعكس إدراكه الدقيق لمرور الزمن.
في الواقع، يقترح كريج أن قدرة الله على معرفة **الحقائق المتوترة** — حقائق حول ما يحدث في أي لحظة — هي علامة على **كماله**. وبدلاً من التقليل من طبيعته، فإنه يسلط الضوء على انخراطه الكامل والمستمر في العالم.
الخلاصة: سر علاقة الله بالزمن
تظل مسألة ما إذا كان الله خالدًا أو زمنيًا واحدة من أكثر القضايا عمقًا وتحديًا في علم اللاهوت. يقدم كلا وجهتي النظر رؤى فريدة ويثيران أسئلة مهمة حول كيفية تفاعل الله مع العالم. تتوافق فكرة **الإله الخالد** مع بعض وجهات النظر الفلسفية المتعلقة بالزمن، ولكنها تواجه صعوبة في شرح كيف يمكن أن يكون لله علاقة شخصية وديناميكية مع الخليقة. ومن ناحية أخرى، فإن وجهة نظر **الإله الزمني** تسمح بالارتباط النشط مع العالم ولكنها تثير أسئلة حول التغيير والكمال في الطبيعة الإلهية.
في النهاية، قد لا يتم حل لغز علاقة الله بالزمن بشكل كامل. ومع ذلك، فإن استكشاف هذه الأسئلة يعمق فهمنا لكل من **اللاهوت** و **الفلسفة**، مما يوفر طرقًا جديدة للتفكير في طبيعة الله ودوره في الكون.
لمزيد من المناقشة المتعمقة حول هذا الموضوع، يمكنك مشاهدة الفيديو الكامل: William Lane Craig – ما هو خلود الله؟.